الرئيسية التسجيل دخول

أهلاً بك ضيف | RSS

الأربعاء, 2024-12-25, 8:59 PM

فئة القسم
علم اللاهوت العقيدى [62]
علم اللاهوت الابائى( الباترولوجى) [27]
علم اللاهوت الطقسى [6]
علم اللاهوت الرعوى [0]
تصويتنا
ماذا تعتقد فى المسيح يسوع
مجموع الردود: 25
صندوق الدردشة
الرئيسية » مقالات » علم اللاهوت » علم اللاهوت العقيدى

شرح كامل عن مفهوم الخطية






الخطية هي التعدي على شريعة الله واحكامه. وكل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً. وخطية الترك هي اهمال ما تفرضه شريعة الله. أما خطية الفعل فهي ارتكاب ما نهت عنه تلك الشريعة (تك 4: 7 ومتى 25: 45 و 1 يو 5: 17 وغلبا 3: 10 - 12 ورمية 3: 23 و 1 يو 3: 4).


(1) مفهوم الخطية: 
لا يوجد في الكتاب المقدس تعريف محدد للخطية، ولكن هناك عدة أوصاف لها، ومن ثم يجب الجمع بين مختلف الجوانب. فالخطية عمل إرادي أخلاقي (تك 2:3-6، رو 18:1و28). ولا ينطوي المفهوم الأخلاقي المجرد عن التعدي الإرادي على الشريعة - في الكتاب المقدس - تحت مفهوم ديني أشمل عن السلوك الخاطئ تجاه أوامر الله ووصاياه المحددة (تك 3:3) وناموسة (رو 19:3 و20) فحسب، لكنه ينطبق أيضاً على رفض الإنسان الانقياد - في حياته - لتأثير معرفة قوة الله الموجهة المرشدة و الضابطة الملزم (رو 18:1و28)، ورفضه معرفة طبيعة الله (يو 19:3) ورفضه محبة الله المعلنة في شخص ابنه (يو 3:36).
وتأتي معرفة الله - لكل الناس - من طبيعتهم ذاتها (رو 2: 14و15)، ومن الخليقة (رو 1: 20)، ومن روح الله (يو 1: 9، تك 6: 3،أع 7:51،14: 17)، فالتعدي علي ناموس معروف هو خطية. بل ويعتبر الموقف الخاطئ والرغبات الخاطئة والاتجاه الخاطئ للإرادة أو "الذات" (كالعصيان والانحراف والتشويش) خطية أيضا (1يو 4:3،مت 22:5و28، رو 8:7-13، 21:5. فالخطية إذاً هي عدم الإيمان (عب 12:3 و19)، وتركيز الذات حول شيء ما أو شخص ما، غير الله ذاته (تك 6:3، رو 1: 28، 7:8).


(3) نتائج الخطية وآثارها: 
فللخطية طبقاً للكتاب المقدس تأثير مباشر حسب القوانين الراسخة للخليفة، كما أنها تجلب علي البشر عقاب الله. وبحسب القانون السيكولوجي، تمتد الخطية إلى كل النفس في حرمان الإنسان من أسمي إمكاناته، وفي إظلام العقل وإلهاب العواطف، وتقسية الإرادة ضد الله وضد كل صلاح (رو 21:1 32، غل 19:5 21).
والخطية بحسب قانون الوراثة تنقل النزعة الشريرة والإثم إلى نسل الخاطئ (مز 51: 5، أف 3:2). وهكذا شملت الخطية الأولي كل الجنس البشري، وتميل الخطية بطبيعتها إلى التكاثر الذاتي الكثيف الشامل، كما تجلب الخطية علي الخاطئ عقاب الله المباشر في هذا الزمان (مز 11:51، رو 28:1،23:6) وفي الزمان الآتي (رو 8:2 و9). 
وعلي هذه الحقائق تقوم النظم اللاهوتية المختلفة، بمفاهيمها المتباينة عن الخطية، وعن توارث الخطية الأولي، وعن الدينونة الأخيرة عقابا أو ثوابا.

(4) قصة السقوط: 
يقر كل العلماء تقريبا بأن قصة السقوط (تك 1:3 6) تعطينا وصفا سيكولوجيا رائعا عن كيف بدأت الخطبة. فقد عصي آدم وحواء بإرادتهم وصية واضحة من الله، خالقهما ومن كانت لهما معه شركة فريدة. ولم يكن العصيان بأي حال ضرورة تستلزمها طبيعتهما أو حالتهما. فقد تخيل أبوانا الأولان أن النهي عن الأكل من الشجرة، أمرا غير مفهوم تماما وأن العقاب ليس أكيدا، واعتبرا أن الأكل من الشجرة امتياز يحق لهما التمتع به، وما حرمانهما منه إلا تعسف . وجاءت الغواية لتفتح شهية بريئة في ذاتها. فثار خيال المرأة بمنظر المتعة المأمولة والقوة، وهاجت فيها الرغبة، وتبع ذلك الفعل الاختياري.
وينطبق كل ذلك بطريقة مذهلة علي الاختيار الفعلي للتجربة والخطية في حياتنا.
وهناك عناصر في القصة جديرة بالملاحظة بصورة خاصة ، فهي من جهة امتحان أخلاقي، لكنها بالأكثر امتحان ديني، فقد كانت التجربة لبيان مدى إيمانهما بالله وثقتهما فيه. وكان النهي عن الأكل امتحانا لهما: هل الله هو مركز وهدف حياتهما، أم أن أغراضهما الخاصة هي المركز والهدف، وهو الاختبار الديني الذي لا مفر لنا جميعا من مواجهته إن أجلا أو عاجلا. لاحظ أيضا أن الخطية تنشأ أولا داخليا، وأن السقوط تم في البداية في خيال الإنسان وعواطفه وفكره، ثم بعد ذلك في الفعل. ولابد أن نري الخطية في ضوء حقيقة أنهما عرفا الله ووصيته الواضحة، وفي ضوء حقيقة أن محبة الله لم تتركهما، بل سعت إليهما بعد ارتكابهما الخطية. ومن ثم كان الامتحان ضرورة لطبيعة الإنسان ولقصد الله، ولأدراك الإنسان لذاته في علاقة سليمة مع الله. وقد قدم سفر التكوين القصة - ليس باعتبارها صادقة من الناحية السيكولوجية فحسب، بل باعتبارها أيضاً حقيقة فعلية وبداية تاريخية للخطية، وهو الأمر الواضح في سائر أسفار الكتاب المقدس (يو 44:8، رو 12:5-14، 1كو 21:15و22).
وواضح تماماً أن القصة ليست أسطورة أو مجازية، ولكن بها بعض العناصر الرمزية مثل "الحية" كرمز للشيطان في دهائه وخبثه وتغيير هيئته. إن حقيقة خلق الإنسان صالحاً، وحياته في الصلاح فترة من الزمن، وسقوطه، وبداية الخطية تاريخياً، تبدو جميعها واضحة. أما المغزى الدقيق للتفاصيل، فمسألة تتعلق بتفسير الكتاب المقدس. 

(5) الخطية والحرية: 
يثير موضوع الخطية ونتائجها بالضرورة قضية الخطية والحرية. وليس ثمة صعوبة من وجهة نظر الكتاب المقدس في حالة آدم وحواء، فقد كانا خاليين من الميل للخطية، ولهما حرية الاختيار. ويقول الرسول بولس:" إنه بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" ( رو 5: 12)، وإن الإنسان الطبيعي لا يمكنه أن يحفظ الناموس "فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله" (رو 8: 3 8)، كما يؤكد أن الجميع "بالطبيعة أبناء الغضب" (أف 2: 3)، وأنه لا يمكننا أن "نتمم الناموس" إلا بالروح ووجودنا "في المسيح".
ويجزم الرسول بولس بأن الخطية هي مقاومة الله ورفض السلوك في النور (رو 1: 21و28و32)، حتى عندما يؤكد عجز الناموس كطريق للخلاص "لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه" (رو 3: 20) وأنه مصدر للتعدي:" أما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية" (رو 5: 20). ونجد أن الرب يسوع نفسه يؤكد أن الخطية هي اختيار حر واعٍ (لو 15: 13،يو15: 22، 9: 41، 8: 11)، كم يؤكد في نفس الوقت وجوب التغيير الشامل للعواطف التي تتحكم في الإنسان الطبيعي وذلك بالتحديد (يو 3: 3و6، مت 7: 18، 12: 33). وإلى جانب هذه الحقيقة عن النزعة الموروثة للشر في الإنسان، والخطية المحسوبة عليه، يجب إضافة الحقيقة التي ينبني عليها التعليم اللاهوتي عن النعمة الشاملة، وهي أن الله بروحه يكبح جماح الخطية المدمرة في الفرد وفي المجتمع، فلكل إنسان ضمير وإحساس بالناموس الإلهي، وبالله وبالفضائل الأخلاقية (تك 6: 3، يو 1: 9، أع 7: 51، 14: 17، رو 1: 14و15). وتقدم هذه الحقائق مجتمعة تعليم الكتاب المقدس عن الإنسان الطبيعي كمولود بطبيعة فاسدة خاطئة بذاتها، وكمولود بالإثم مذنباً، إلا أن الروح لم يتركه قط بدون نور، فكل شخص يبلغ سن التمييز يصبح حراً، بمعنى أنه يملك قراره، فهو حر في أن يختار الشر طريقاً له.


(6) الطبيعة الأصلية: 
يعد التساؤل عن كنه الطبيعة التي يولد بها الطفل، أخطر وأوسع الموضوعات في القرن العشرين، وتتفق النتائج بشكل عام مع تعاليم الكتاب التي عرضناها فيما سبق، فالكل متفقون على طبيعة الشر الموروثة في الإنسان، والنزوع إلى الشر الكامن في الذات البشرية، وضرورة تهذيب الطفل أخلاقياً، وحتمية النضال لتحقيق المواقف الأدبية والتضامن الأخلاقي للمجتمع، وخطورة الانحراف الأخلاقي المطلق، والتحكم في عواطف ومشاعر الإنسان. ويتفق علماء التربية المسيحية على أن النزعات الشريرة الوراثية لا يمكن التحكم فيها بالتربية إلا عن طريق عمل النعمة الفائقة، وأن ما تصبو إليه التربية المسيحية هو أن تصبح أداة لحفظ الطفل على صلة بالقوة الإلهية.

(7) إدانة الخطية الفعلية: 
يوضح الكتاب المقدس بكل جلاء أن خطية الفرد تدان بحسب استنارة الفرد الشخصية، وأن على الفرد أن يجتهد ضد كل ما يعرفه أنه شر، وهذا واضح من أقوال الرب يسوع (يو 15: 22، مت11: 20 24)، ومن أقوال الرسول بولس (أع 17: 30، رو 14: 5، 1كو8: 7، 1 تي1: 13). ولا يعني هذا أن الخاطئ يعرف تماماً مرارة الخطية قبل ارتكابها، فالخطية التي ترتكب تحت توبيخ الضمير وتحت الخوف من غضب الله، وفي ضوء بعض نتائجها المخيفة، تختلف تماماً عن الخطية التي ترتكب عمداً وبعد تفكير وتدبير. وحقيقة إدانة الفرد على خطيته بحسب ما عنده من نور، معناها فقط أن الكتاب المقدس يأخذ في اعتباره حقيقة هامة هي أن الضمير يتأثر في أحكامه المادية على الحقائق الفعلية، تأثراً كبيراً بالتراث الاجتماعي والمعايير السائدة في المجتمع، وهذا هو السبب في ضرورة الحكم على رجال البلدان الأخرى والأزمنة السابقة مثل شخصيات الكتاب المقدس في ضوء ما كان لهم من نور في زمانهم من حيث مدى مذنوبيتهم أو استحقاقهم.



ب الأنبياء: 
كانت رسالة الأنبياء هي تعليم الناس أمور الدين، ولذلك كان عليهم أن يكونوا ضمائر متجسدة، أو تجسيداً للديانة الحقيقية، ولذلك تزايد تأكيدهم للمعنى الأخلاقي والقصد الروحي من الطقوس. وتبدو العبادة في زمن إيليا وأليشع أحياناً كما لو كانت مجرد طقوس قديمة وعبادة قومية. مع أن رسالتيهما اشتملتا على الكثير من الديانة الحقيقة والفضائل العملية، إلا أن الهدف المقصود جاء في قول إشعياء: "إليس هذا صوماً أختاره، حل قيود الشر، فك عقد النير واطلاق المسحوقين أحراراً وقطع كل نير؟.."(إش 58: 6و7). وهكذا كان إصرار الأنبياء على توكيد المعنى الحقيقي للدين والفضيلة والأخلاق، كالهدف الحقيقي للوصايا والشعائر والطقوس المفروضة على الشعب اليهودي (هوشع 6، مي 6)، حتى استنتج البعض من ذلك أن الأنبياء كانوا ضد الناموس وكل طقوسه. والأصوب أن نقول إن الأنبياء قد علمهم الله طبيعة الدين والفضيلة كالهدف الحقيقي للناموس والطقوس والموعد، حتى أنهم عارضوا فهم الناموس والذبائح كمجرد طقوس بلا روح حقيقية. وما زال هذا الميل للاكتفاء بالشكليات والشعائر الخارجية حتى يومنا هذا يشوه باستمرار كل النواميس والعبادات. نحن نلجأ إلى الطقس لنعبر عن الروح، فنفقد الروح ونحتفظ بالشكل فقط، وبذلك نقضي على الهدف ونسقط في خطايا أشر.

ج الرسول بولس: 
للناموس أحد تأثيرين على الطبيعة البشرية الأثيمة، فهو إما أن يؤدي إلى السطحية والمظهرية، مما يؤدي بدوره إلى خطية أكبر وأشنع في نظر الله، وإما أن يدفع إذا أخذ بجدية إلى اليأس التام من إدراك الإنسان للبر، كما حدث مع بولس، إذ يقول:" كنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي"(غل 1: 14)، ومع ذلك فقد وجد أن الناموس كان السبب في يأسه طالما كان ينهي، ليس عن الأعمال الخاطئة فحسب، بل عن الرغبة الخاطئة أيضاً (رومية 7)، كما اكتشف بولس أن الناموس قد كشف طبيعته الجسدانية الخاطئة، وأنه كان أداة لعمل الموت فيه، ولذلك فقد رأى أن الناموس "دخل لكي تكثر الخطية"(رو5: 20)، وهكذا صار الناموس "مؤدبنا إلى المسيح" (غل3: 24) حتى نموت بالناموس للناموس لنحيا لله (غل 2: 19). فالشرائع كوسيلة للخلاص هي وسيلة ميتة، فهو يعرف الجوهي الحقيقي للناموس ولب الديانة الحقيقية، وهو أن يصبح "تحت ناموس المسيح" (1كو 9: 20و21)، وهكذا يكون الناموس في معناه الحقيقي هو "ناموس روح الحياة في المسيح يسوع"(رو8: 2).

د الرب يسوع: 
يبين الرسول بولس في كتاباته كيف استوعب تماماً روح تعليم الرب يسوع، فقد أكرم المسيح الناموس:" لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل"(مت5: 17و18). لكن الرب يسوع كان يعلم أن الطريق الوحيد لحفظ الناموس هو حفظه من القلب بالروح، فالرغبة والقصد والسلوك هي كل شىء. فالزنا والقتل والانتقام خطايا بالطبع، إلا أن الشهوة والغضب وروح الانتقاب هي مسببات هذه الأفعال والخطايا، وهي المصدر الحقيقي للخطية الذي يجب علاجه. ومن ثم فإن حفظ الناموس معناه الطهارة والمحبة وروح الصفح. وفي الواقع إذا انتقلنا إلى المبدأ الذي نادى به الرب يسوع:" كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل "(مت5: 48)، فإن الرب يسوع يتخذ نفس الموقف الذي اتخذه وأعلنه فيما بعد الرسول بولس. فكما أن الخطية ليست مسألة أخلاق فحسب، بل هي مسألة موقف خاطئ من نحو الله والإنسان، فهكذا أيضاً الفضيلة والديانة هما في الواقع مسألة موقف روحي سليم من نحو الله والإنسان (مت 22: 35 39، لو18: 22). فكل تعبير أو تقنين للناموس الأدبي، إنما هو محاولة جزئية ناقصة وغير ناجحة لتجسيد الروح الحقيقية للناموس (رو 7: 6، 2كو3: 6). إلا أنه يجب عدم الانتقاص من شأن الناموس، رغم أنها لا يمكن أن تعبر عن، أو تخلق الروح الحقيقية للمواطن الصالح أو المواطن المسيحي.

(9) قوة الخطية ونموها: 
يرجع هذا العجز في الناموس إلى حقيقة أن الخطية هي قوة في ذاتها، ولها قانون تطور خاص بها. ليس للخطية وجود مستقل سواء كان هذا الوجود مادياً أو روحياً، بل الخطية هي صفة للبشر يجب ألا تكون فيهم، بدلاً من صفة أخرى يجب أن تتوفر فيهم. فالخطية لذلك ليست أمراً سلبياً ولكنها علة الانحراف، وعلى الإنسان أن يعرف إرادة الله وأن يحبه ويطيعه اختياراً، فهذه هي الفضيلة وهذا هو الدين.
فليست الخطية هي مجرد غياب ما يجب أن يكون، بل هي استبدال ذلك بمعرفة أخرى ومحبة أخرى واختيار آخر. إن قانون الشخصية البشرية هو العلاقة بين العقل والعاطفة والإرادة في وحدة النفس، مع الميل إلى تثبيت الأفعال والأمزجة في مواقف ثابتة للشخصية. وكما ينمو الإنسان الصالح نحو معرفة أكمل واصدق، ونحو محبة أنقى واطهر، ونحو عادة ثابتة من فعل الصلاح، فكذلك ينمو الإنسان الشرير في المعرفة الكاذبة، وفي محبة الدنس، وفي كراهية العدل والبر، وفي عادات ثابتة من فعل الشر. فقوة الخطية إذاً هي قبل كل شيء قوة ناموس الشخصية المنحرفة، وهو أمر واضح تماماً في الأسفار المقدسة، إذ يعلن الرسول بولس بكل جلاء أن الخطاة "حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء" (رو 1: 21و22)، ثم يتبع ذلك انحراف المحبة واشتعال الشهوات (رو 1: 24 27) والذهن "المرفوض" المصمم على فعل "ما لا يليق" (رو 1: 28 32)، إلى أن يصبحوا " مظلمي الفكر متجنبين عن حياة الله.. الذين إذ هم قد فقدوا الحس، أسلموا نفوسهم للدعارة ليعملوا كل نجاسة في الطمع ( أف 4: 17 19).
هذا هو المفهوم الكتابي لقوة الخطية، وقد اصبح كل ذلك اكثر وضوحاً أمام أفهامنا من خلال علم النفس المعاصر بتأكيده على العاطفة والرغبة ومكونات الشخصية في اللاوعي، وقوة العقد اللاشعورية. فتأثير الخطية هو الحرمان من تحقيق الشخصية، وجعل الفرد لعبة في يد الشهوة والدوافع النفسية والإغراءات الخارجية بما في ذلك انفصام الذات. وقد يكمن تأثير الخطية في تركيز قوى الفرد في طموح جامح ضد إرادة الله، مما ينتج عنه شخصية قوية تكره الله وتحب الشر.

(10) الوراثة للخطية: 
من المتوقع أن يكون لقوى مدمرة مثل هذه عند الفرد تأثير سيئ على نسله، ومع ذلك لا يذكر الكتاب المقدس - عملياً - شيء عن الوراثة بمفهومها السيكولوجي أو البيولوجي، ولكنه يؤكد الحقيقة الكبرى وهي أنه بخطية آدم الأول صار كل جسد أي الإنسان الطبيعي خاطئاً، ولا يذكر شيئاً آخر عن الميول الأثيمة الخاطئة الموروثة عن خطايا معينة من الوالدين، لكن العلم الحديث يؤيد هذا الرأي، فهناك أطفال ولدوا غير أسوياء في قواهم العقلية، وغير مستقري العواطف، أو معدوميها، ولدى بعضهم شهوات أكثر جموحاً من الآخرين، ومع ذلك فقد تم احراز تقدم ضئيل في ربط ذلك بالصفات الشخصية الخاصة في حياة الوالدين. فقد يرث بعض الناس الجنون ويبدو أن ذلك متعلق بالعائلة أو بفصيلة الدم لكن من الصعب الربط بينه وبين خطايا شخصية خاصة في الوالدين.


(11) الوراثة الاجتماعية للخطية: 
يوجد في الكتاب المقدس الكثير عما نسميه اليوم بالوراثة الاجتماعية للخطية، أي انتقال الخطية للآخرين عن طريق القدوة والتعليم والإيحاء بكل أشكاله، وآراء الجماعة والأذواق والقيم والمعايير والأعراف، وبالاختصار عن طريق الاتصالات بكل معانيها الاجتماعية. والكتاب المقدس مليء بالتحذيرات من المعاشرات الرديئة، ومن قوة القدوة الشريرة، ومن سطوة العادات الخاطئة والأعراف الاجتماعية غير السليمة، ومن قوة خميرة التعاليم الشريرة والعقائد الخاطئة ، ولم يؤكد كتاب بأقوى مما أكد الكتاب المقدس، على واجب تربية الأطفال وتنشئتهم على التقوى، وتهذيبهم في الحق، وتدريبهم بالقدوة على الممارسة الفعلية للأعمال الصالحة. وتتجه كل تحريضات الكتاب المقدس إلى الأتقياء في عائلات وجماعات لها فكرها ومعاييرها وقيمها وولاؤها، وفصل هذه الجماعات عن كل صلة بالشر. وتتفق جميع الصور التي يقدمها الكتاب المقدس لمدينة "سدوم" وللعالم قبل الطوفان ولعالم الكنعانيين الذي كان لابد من القضاء عليه قبل استقرار شعب الله في أرض الموعد، أو للمجتمع الروماني كما رآه الرسول بولس، اتفاقا تاماً، ليس مع الحق فحسب، بل أيضاً مع ما توصل إليه علم الاجتماع الحديث عن القانون الاجتماعي.وتلقي هذه الحقيقة المرعبة عن قوة الخطية القاتلة من خلال شمول تأثيرها في كل قوانين الوراثة الاجتماعية المعترف بها الضوء على الأمر الإلهي بالقضاء على الكنعانيين، وعلى تحريض المؤمنين على أن يعيشوا بالانفصال عن العالم.ويجمع الكتاب المقدس كل قوى الشر عن طريق الوراثة الاجتماعية، تحت تعبير واحد هو "العالم" أي جموع الناس البعيدين عن الله والمعادين للمسيح، وكل دائرة الممتلكات الأرضية والعقارات والثروات واللذات، التي رغم أنها جوفاء ضعيفة وعابرة، إلا أنها تثير الرغبة وتغري بالبعد عن الله، وتعتبر عقبات في طريق ملكوت المسيح. إن كلمة "العالم" بهذا المفهوم شائعة في إنجيل يوحنا ورسائل يوحنا وسائر رسائل العهد الجديد (يو7: 7، 1يو2: 15 17، 1كو1: 21، غل6: 14، يع1: 27). والقوانين الاجتماعية - كما في حالة قوة الخطية في حياة الفرد ليست شراً في ذاتها، كما أن قوانين التطور الفردي ليست أيضاً شراً في ذاتها، فهي قوانين الله الكامنة في المجتمع، ولكنها بسبب فساد الخطية تحولت ضد الله وضد الإنسان. وفي المجتمع المسيحي يجب أن تكون هذه القوانين بركة لامتداد ملكوت الله. ويسعى علم الاجتماع المسيحي لاستخدام هذه القوانين لإتمام مقاصد الله. ومن هنا نشأت فكرة العائلة المسيحية، والمجتمع المسيحي والتربية المسيحية، والأدب والفن والصناعة... المسيحية. وتتفق هذه الفكرة مع العهد القديم في النظر إلى شرور المجتمع كما لو كانت خطية فرد نظراً لتضامن البشرية كلها ( دانيال9: 5 11)، وإن كان هناك تصحيح للاستخدام الخاطئ لهذا المبدأ:"كل إنسان بخطيته يقتل"(تث24: 16)، والتأكيد بأن الفرد سوف يعامل طبقاً لما فعله: "النفس التي تخطيء هي تموت "،" بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون "(حز18: 1 33). ويتفق هذا المبدأ مع ما يميل إليه علماء الاجتماع من تقسيم وتوزيع المسئولية بين الفرد والجماعة، مع اعتبار الفرد مسئولاً عن نفسه.

(12) الكفارة من الخطية: 
إن المفهوم الصحيح للخطية ضروري لو أردنا أن نفهم رأي الكتاب المقدس في كيفية خلاص الإنسان، فحياة الإنسان والمجتمع تقوم على العلاقة الصحيحة مع الله: "هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته‎ "(يو17: 3). والخطية هي قطع الصلة بالله، ورفض مقاصد محبة الله من نحو خليقته، كما أنها علاقة خاطئة مع الآخرين، ومقاومة الناموس الذي أعطاه الله لخليقته، وانحراف قوى الإنسان الشخصية مما يؤدي إلي الموت الروحي والأدبي. وهي أي الخطية، على أحسن الفروض قناعة طائشة بمستوى أخلاقي هابط من الانغماس في اللذات، المنطوي في أعماقه على تأليه الذات دون اعتبار لله ولا لأخيه الإنسان. ومن هنا تظهر الفكرة الكتابية بأن الله نفسه هو الذي يرفع الذنب، والمحرك الأول في تحقيق انسجام الإنسان معه، ومن هنا نشأت فكرة الكفارة والتبرير والفداء، ثم الفكرة الكتابية عن الحمل الملقى على الضمير، حتى إنه لا يمكن للإنسان أن يتمتع بالسلام إلا إذا نال الغفران:" فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رو5: 1). وفي الواقع، فإن كل مفهوم الخلاص سواء باعتباره تغييراً لموقف الإنسان أمام الله، أو تغييراً داخلاً شاملاً في الخاطئ قبل كل شيء، أو استمرار حياته الجديدة كل ذلك مرتبط بمفهوم الطبيعة الحقيقية للخطية وميل الإنسان لارتكابها.

(13) الخلاص في المسيح: 
تتركز كل عملية خلاص الخطاة النابعة من محبة الله، في المسيح: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16)، فبحياته وبموته بخاصة تمت الكفارة والمصالحة من غضب على الخاطئ، ومن خوف الخاطئ من الله (رو5: 1 11)، كما أنه يمنح المعرفة الجديدة عن الله للعقول التي أظلمتها الخطية: "لأن الله لم يراه أحد قط، الأبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَّبر" (يو1: 18)، ويخلق في الإرادة الدوافع الجديدة للتوبة والإيمان والمحبة (غل2: 19و20، رو5: 11)، كما يمنح القوة للحياة الأبدية للابتعاد عن الخطية (رو 8: 12 15)، كما يمنح قوة وإرشاداً بالروح القدس (رو8: 5و26). 
وفي الواقع، إن المسيح الحي، المائت، المقام من الأموات ليحيا إلى الأبد هو الذي يعطي الروح، حتى بالتجديد يجعل الحياة الجديدة ممكنة بداية واستمراراً وختاماً (مت 3: 11، أع 2: 33، رو 6: 4 14)، ولذلك "ففي المسيح" أي بالاتحاد معه يمكن الغلبة على الخطية في الفرد (رو8: 2،2 كو 5: 17، أف2: 10، كو3: 4)، وبالاتحاد معه ينتج اتحاد المؤمنين معاً وشركتهم في الملكوت (1كو10: 17، 1يو1: 3).

(14) التجديد بعد الخلاص من الخطية: 
وبقبول الفرد للخلاص واختباره له، فإن طبيعة الخطية في الفرد تستلزم اختبار التجديد الذي يتضمن التوبة والإيمان، وهو ما تستغله سيكولوجية الدين كثيراً، إنه تغيير واعٍ لكل النفس فيمن وصلوا إلى سن الرشد والتمييز. إنه تغيير للنفس من التمركز حول الذات، إلى حياة لا تهتم بالآخرين فحسب، بل إلى حياة مركزها هو المسيح، مما يعني تغييراً في الأحكام المادية والقيم والمعايير والعواطف والمواقف. ويتجلى كل ذلك واضحاً في كل أقوال الكتاب المقدس التي تصف هذا التغيير الداخلي. إن التبكيت يعني إلقاء نور جديد على حياتنا الخاصة في ضوء حكم الله. أما التوبة فتعني قبول هذا الحكم الإلهي، فيصبح لنا "فكر جديد" يحزن على الخطية. أما التجديد فيعني البعد عن الخطية والتحول نحو الله.أما الإيمان فيعني الاتكال على الله والثقة فيه والمحبة له.
هذا هو بالضبط التغيير في موقف النفس جميعها، وهو على العكس تماماً مما تفعله الخطية في الإنسان. ولا شك في أن درجة حرارة العواطف تتوقف على مدى انحراف الفرد فيما مضى، وعلى المعايير الاجتماعية السائدة لما يعتبر تجديداً صحيحاً، ويعتبره الرأي الكتابي تغييراً واعياً وانفصالاً عن الخطية. ولهذا يقدم الكتابي المقدس التوبة والتجديد كواجب ملزم يجب أن تتجاوب معه كل النفس. وما الإنجيل إلا أداة التغيير، ولكن العامل الحقيقي للتغيير هو الله نفسه (يو 1: 13).

(15) التقديس بعد التجديد: 
إن طبيعة الشخصية لكل من الخطية والخلاص، لا تجعل من المحتم اختبار التجديد فحسب، بل واختبار التقديس أيضاً. إن التقديس كحالة من التغيير والتطهر الداخلي، وكقوة وإرشاد بالروح القدس الساكن فينا إنما هو عطية من الله. أما كاختبار شخصي فهو يعني امتلاك طبيعة ذات ميل مثالي دائم للبلوغ إلى حياة مطابقة تماماً لإرادة الله. وهو يتضمن الاستفادة الشخصية بكل وسائط النمو الروحي، التي أعطاها لنا الله. فعلى المؤمنين أن ينموا "في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح" (2 بط 3: 18)،وأن يكونوا "مواظبين على الصلاة" (رو 12: 12)" غير تاركين اجتماعهم معاً "(عب 10: 25)، و"أن يسلكوا في جدة الحياة بالروح "(رو 6: 4، غل5: 16، أف 5: 2)، "وان يميتوا أعمال الجسد" (رو 8: 13) مطهرين ذواتهم "من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله "(2 كو 7: 1)، وأن يضعوا كل مواهبهم في خدمة المسيح والإخوة. فهذا ما يكتبه الرسول بولس راسماً منهجاً للسلوك الكامل الذي يجب أن يكون هدف كل سعيهم ودراستهم. وهو يثبت أن الكتاب المقدس يضع الحياة المفدية المخلصة على النقيض تماماً من الخطية (رو12: 1و2).

(16) غفران الخطية: 
إن العمل السامي للفداء هو غفران الخطية وشفاء الخاطئ منها، وتقديس الحياة الجديدة في المسيح يسوع، فلأن الله قدوس ويحكم العالم بالقداسة، ولأنه قد طبع ناموسه على خليقته وعلى طبيعة الإنسان ولأنه لابد أن يكون صادقاً مع نفسه في قداسته وفي محبته للبشر، فيجب ألا نعتبر الغفران مجرد مسألة بسيطة من التغاضي عن الماضي، كما قد يتصور البعض. فالانتصار على الخطية قد استلزم الكفارة إذ بذل ابن الله نفسه، ولا يتحقق ذلك إلا متى أصبح الإنسان بعمل الروح القدس خليقة جديدة في موقف سليم من الإيمان والمحبة والطاعة لله.


الفئة: علم اللاهوت العقيدى | أضاف: freeman (2013-12-30)
مشاهده: 688

صفحتنا الرسمية على الفيسبوك :


| الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
ad">


الاسم *:
Email:
كود *:
طريقة الدخول

بحث
قائمة الموقع
أصدقاء الموقع
  • موقع المفاهيم والاصطلاحات اللاهوتية
  • المركز المسيحى لتحميل الكتب والوثائق
  • منتديات ميراث أبائى
  • مدونة ايماننا الاقدس
  • مدونة مجتمع المسيح
  • منتديات الموقع
  • إحصائية

    المتواجدون الآن: 1
    زوار: 1
    مستخدمين: 0
    جميع الحقوق محفوظة لموقع ومنتديات دليل الايمان © 2024
    تستخدم تكنولوجيا uCoz